الفلسفة والتربية: نحو تربية فلسفية
التربية الفلسفيةالتفكير النقديالفلسفة للأطفال

الفلسفة والتربية: نحو تربية فلسفية

نورالدين برحيلة

20 فبراير 2023

تمثل العلاقة بين الفلسفة والتربية علاقة قديمة وعميقة، فالفلسفة منذ نشأتها كانت مرتبطة بالتربية والتعليم. وقد اعتبر الفلاسفة الكبار مثل سقراط وأفلاطون وأرسطو أن الفلسفة هي في جوهرها عملية تربوية تهدف إلى تنمية العقل وتهذيب النفس.

ماهية التربية الفلسفية

التربية الفلسفية هي مقاربة تربوية تستند إلى المبادئ والمناهج الفلسفية في عملية التعليم والتعلم. وهي لا تقتصر على تعليم الفلسفة كمادة دراسية، بل تتجاوز ذلك إلى تبني الروح الفلسفية في العملية التربوية برمتها.

تتميز التربية الفلسفية بالخصائص التالية:

  • تنمية التفكير النقدي والتأملي
  • تشجيع طرح الأسئلة والبحث عن الإجابات
  • الاهتمام بالحوار والنقاش المفتوح
  • تنمية الوعي بالذات والآخر والعالم
  • تطوير القدرة على التحليل والتركيب والتقييم

أسس التربية الفلسفية

1. الأساس المعرفي

تستند التربية الفلسفية إلى نظرية معرفية تؤمن بأن المعرفة ليست مجرد تلقين وحفظ، بل هي عملية بناء نشطة يقوم بها المتعلم. وتؤكد على أهمية الفهم العميق والتفكير النقدي في بناء المعرفة.

2. الأساس الأنطولوجي

تنطلق التربية الفلسفية من رؤية للإنسان باعتباره كائناً عاقلاً قادراً على التفكير والتأمل والنقد. وترى أن الإنسان ليس مجرد متلق سلبي للمعرفة، بل هو صانع لها ومشارك في إنتاجها.

3. الأساس الأكسيولوجي

تؤكد التربية الفلسفية على القيم الإنسانية العليا مثل الحرية والعدالة والكرامة والتسامح. وتسعى إلى تنمية الوعي الأخلاقي والقدرة على اتخاذ القرارات الأخلاقية.

نماذج ومقاربات في التربية الفلسفية

1. الحوار السقراطي

يعتمد هذا النموذج على طريقة سقراط في التعليم، القائمة على طرح الأسئلة وتحفيز المتعلم على التفكير والبحث عن الإجابات بنفسه. ويهدف إلى تنمية الوعي الذاتي والقدرة على النقد والتحليل.

2. مجتمع البحث الفلسفي

طوره ماثيو ليبمان، ويقوم على تحويل الفصل الدراسي إلى مجتمع بحث يشارك فيه الجميع في طرح الأسئلة والبحث عن الإجابات من خلال الحوار والنقاش. ويهدف إلى تنمية مهارات التفكير العليا والقدرة على العمل الجماعي.

3. التربية النقدية

طورها باولو فريري وآخرون، وتهدف إلى تنمية الوعي النقدي بالواقع الاجتماعي والسياسي، وتمكين المتعلمين من تغيير هذا الواقع. وتؤكد على أهمية الحوار والتفكير النقدي في العملية التربوية.

تطبيقات التربية الفلسفية

1. الفلسفة للأطفال

برنامج تربوي يهدف إلى تنمية مهارات التفكير الفلسفي لدى الأطفال من خلال الحوار والنقاش حول قضايا فلسفية مناسبة لأعمارهم. ويساعد الأطفال على تطوير قدراتهم على التفكير المنطقي والنقدي والإبداعي.

2. المناهج الدراسية

يمكن دمج المقاربة الفلسفية في مختلف المناهج الدراسية، من خلال تشجيع التفكير النقدي والتأملي، وطرح الأسئلة الفلسفية، وتنمية القدرة على الحوار والنقاش.

3. تكوين المعلمين

يمكن تدريب المعلمين على المقاربة الفلسفية في التعليم، وتزويدهم بالمهارات اللازمة لتنمية التفكير الفلسفي لدى المتعلمين.

تحديات وآفاق

تواجه التربية الفلسفية تحديات عديدة، منها:

  • هيمنة النموذج التقليدي في التعليم القائم على التلقين والحفظ
  • ضغط الامتحانات والتقييم الكمي
  • نقص التكوين الفلسفي لدى المعلمين
  • مقاومة التغيير في المؤسسات التربوية

ورغم هذه التحديات، فإن التربية الفلسفية تفتح آفاقاً واعدة لتطوير التعليم وتجديده، من خلال:

  • تنمية مهارات التفكير العليا اللازمة للقرن الحادي والعشرين
  • تعزيز القيم الإنسانية والأخلاقية
  • تمكين المتعلمين من مواجهة التحديات المعاصرة
  • بناء مجتمع ديمقراطي قائم على الحوار والتفكير النقدي

في الختام، تمثل التربية الفلسفية مقاربة واعدة لتجديد التعليم وتطويره، من خلال تنمية التفكير النقدي والتأملي، وتعزيز القيم الإنسانية، وبناء شخصية متكاملة قادرة على مواجهة تحديات العصر. وهي ليست مجرد طريقة للتعليم، بل هي رؤية شاملة للإنسان والمعرفة والمجتمع.

مقالات ذات صلة